Mohamed Beshir Hamid

هواجس ساخرة (٣٥) : خلفية دعوة أمريكا للانضمام لنادينا

ميريلاند ٢٧ يناير ٢٠١٧

قراءة (أفروعربية) في المسالة (الترامبية)

علي خلفية دعوة أمريكا للانضمام لنادينا 

لعل البعض منكم سادتي قد قرأ مقالاً لافتاً للانتباه ومثيراً للاهتمام نُشر في (Politico) بعنوان:

!America, You Look like an Arab Country Right Now! Welcome to the Club

وترجمته بتصرف: (يا أمريكا يا ويكا، شكلك كده بقيتي تشبهينا فمرحبا بك في جامعة الدول العربية!). والمقال بالطبع من النوع الساخر الذي يجعل أول ما يقفز لذهنك عند قراءته أن تركل نفسك في المؤخرة مرتين قبل أن تصيح متحسراً: “والله فكرتو كانت في طرف دماغي!”. ثم تهدأ قليلاً عندما تتذكر أن المقال مكتوب باللغة الانجليزية فتقول لنفسك الأمارة بالسوء: (كويس كده أللّقوم بترجمته وتوصيله لإخواننا العرب ولي علي الأقل فضل الظهر). ولكن تكتشف بعدها أن كاتب المقال يدعي (Karl Sharro) فيلعب الفار في عبك إذ لا تبدو على اسمه أي ملامح عربية. وقبل أن تبدأ بالاحتجاج مستنكراً كيف يتحدث هذا (الكارل شارو) باسمنا منتحلاً عروبتنا وداعياً كل من هبّ ودبّ لعضوية نادينا تتذكر أن وطننا العربي الواسع يضم أقليات مسيحية قد يكون بينها كاتب المقال. تهرع ثانية لموقع (Politico) لتقطع الشك باليقين فلا تجد ما يفيدك أكثر من أنه يعمل معلقاً في الشؤون الشرق أوسطية (وما أكثرهم!). هنا يكون قد تملك وجدانك شعور دافق بالتسامح العرقي(“هو أنا مين عشان أقعد أوزع صكوك العروبية للناس؟”) فتقرر أن (كارل) هذا بدعوته الكريمة هذه قد استحق اكتساب (العربنة) بالانتساب.

 

هذا بالضبط ما دار في ذهني وأنا أتهيأ لترجمة المقال عندما عنَّ لي فجأة خاطر آخر شوش عليّ تفكيري: ماذا عن عضوية الاتحاد الأفريقي؟ وقبل أن يتساءل بعضكم سادتي عن دخل الاتحاد الأفريقي بالموضوع عليكم أن تتذكروا أننا في وادي النيل وخاصة في جنوبه نعاني من انفصام في الشخصية نسميه مجازاً ثنائية الانتماء مما سبب لنا تاريخياً الكثير من العقد النفسية. فتعريفنا عربياً يغضب بعضنا (“يعني شكلنا الأفريقي ما عاجبكم؟”) ونعتنا بالأفريقية يثير ثورة بعضنا الآخر (“يعني ما شايفين فصاحتنا بالعربي كيف؟”). ثم يجب أن نتذكر أن الكوميدي (تريفور نوح) الجنوب-أفريقي الأصل وصاحب برنامج (The Daily Show ) التلفزيوني قد سبق أخانا في العروبة (كارل شارو) في تشبيه الولايات المتحدة بالدول الأفريقية ومن ذلك تنبيهنا لأوجه التشابه خلقة وأخلاقاً بين المرحوم (عيدي أمين دادا) و(دونالد ترامب). ويبدو ذلك واضحاً عندما هدد ( الدونالد) منافسته (هيلري) بإلقائها في السجن فور فوزه في الانتخابات كما نفعل في أفريقيا من غير أن يطرف لنا جفن. و(تريفور) لا يمكن الشك في أفريقيته فهو من (بلدياتنا)كما يقول إخوتنا في شمال الوادى. والإشكالية هنا كيف نرحب بأمريكا في نادي الجامعة العربية ونادي الاتحاد الأفريقي في نفس الوقت؟ لمن تكون الأسبقية؟ هل نترك لها حرية الاختيار؟ وقبل أن يسبقنا إخوتنا في شمال الوادي باقتراح منح الامريكان ازدواجية الانتماء عربياً وأفريقياً طمعاً وتزلفاً فعلينا تذكيرهم أننا في جنوب الوادي قد تعلمنا (الانحناء) قبلهم فرفع العقوبات الذي تصدقت به أمريكا علينا مؤخراً وإن جاء جزئياً فهو لم يكن لسواد عيوننا.

 

وقد لا يعرف الكثيرون منكم سادتي أنني لا أثير مثل هذه الاعتراضات بغرض تعقيد أمور لا داعي لتعقيدها ولكن لأوضح أن تحيز (شارو) في الترحيب بأمريكا عربياﹰ فيه انتقاص لاستحقاقاتنا أفريقياﹰ. فحتى لو نظرنا للنقاط التي أثارها ليبرهن علي استيفاء أمريكا لشروط الانتماء للعرب لوجدنا أنها تنطبق أيضاً – وربما بقدر أكبر – علي الأفارقة. خذوا مثلاً ما ذكره عن مظاهرات واحتجاجات التنصيب الرئاسي في أمريكا وكيف تشبه إلى حد كبير ما يحدث في الدول العربية. بالمقارنة فالأوضاع الراهنة في أمريكا تمر بتقاطعات تبدو متقاربة أكثر مما هي متباعدة مع أوضاعنا في أفريقيا. فخلافاتهم الاجتماعية والطبقية والعرقية تكاد تضاهي انقساماتنا القبلية والإثنية وشغفهم مؤخراً بحكم (الرجل القوي) جرياً وراء الأمن والاستقرار يصب في نفس توجهاتنا وإن كنا قد سبقناهم في تقديس حكم الفرد الأوحد وتفضيل نظام الحزب الواحد.

 

ما أقصده أن هناك تشابهاً وتجانساً بيننا وبينهم كما أن الأوضاع عندهم حبلى باحتمالات واعدة. خذوا مثلا ما حدث في أعقاب الانتخابات في دولة (قامبيا) منذ أسابيع عندما أضطر المرشح الفائز للهروب لتتم مراسيم تنصيبه في دولة السنغال المجاورة واحتاج الأمر لتدخل قوات من دول غرب أفريقيا (إكواس) لتأمين الوضع الأمني قبل أن يستطيع الرئيس المنتخب العودة لبلاده. هل لكم سادتي تخيل ما كان سيحدث لو فازت كلينتون بالرئاسة: هل كنا يا ترى سنتابع مراسم تنصيبها من كندا؟ ثم ماذا يمنع أن يصبح رفض الرئيس (القامبي) المخلوع التنازل بطواعية أول سابقة أفريقية من نوعها تتكرر أمريكياً في حالة فوز رئيس جديد بعد أربع سنوات؟ وهل سيرى العالم القوات المكسيكية المحمولة جواً (تفادياً للحائط الذي يهدد الرئيس ترامب ببنائه على الحدود) وهي تتدخل باسم رابطة دول أمريكا اللاتينية لإعادة الأمور لنصابها الانتخابي في البيت الأبيض؟ ما رأيناه من السيد (ترامب) خلال أسبوعه الأول في سدة الرئاسة يشعرنا بأننا موعدون بأكثر مما عهدنا في رؤسائنا من نرجسية ودهمانية. لا يحدثنا التاريخ – مبلغ علمي- عن رئيس منتخب عندنا كان من أول قراراته الرئاسية إجراء تحقيق عاجل في التزوير الذي حدث في ذات الانتخابات التي فاز فيها هو بالغوغائية والتلفيق. بل أن عبقرية (ترامب) في إثارة قضية التزوير تمهيدا لعمليات تزوير مستقبلية بدعوى منع التزوير وذلك بسن قوانين جديدة للحد من التصويت (voter suppression) تبدو بدرجة من التعقيد لا تستطيع عقولنا الأفريقية والعربية استيعاب تعرجاتها.

 

ثم أن هناك ظاهرة جديدة تتعلق بموضوع التزوير تناولها الإعلام الامريكي مؤخرا بشئ من الاستحياء وهي وجود أسماء للموتى في سجلات الناخبين. وحكاية إحياء الموتى ليدلوا بأصواتهم معروفة عندنا أفريقياً منذ عهد الفراعنة ويمكن أن نشرح لمن يريد كيف قمنا بتطويرها لضمان إحيائهم أيضاً في البطاقات التموينية، فمن يدري فقد يحتاج الأمريكان للعمل بالنظام التمويني في حالة تدني الاقتصاد الأمريكي بشكل موازِ للارتفاع المتوقع في تكلفة (الحائط) الذي يبدو أن المكسيك لن تتفضل بتغطية تكاليف بنائه رغم تهديدات (الدونالد). ويذكر (شارو) تدخل الأجهزة المخابراتية من الخارج (روسيا) ومن الداخل (مكتب التحقيقات الفيدرالية) في مسيرة الانتخابات الأمريكية. وهذا أمر معروف لدينا أفريقياً وعربياً فكم عانينا من التدخل الأمريكي والذي – للمفارقة – يصل لأقصى درجات التدخل وأقساها حين يقومون بمقاطعتنا اقتصادياً وسياسياً. وأذكر أنني كتبت مقالاً في ثمانينات القرن الماضي أتمنى فيه على وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن تترك انتخاباتنا في حالها البائس أصلاً وتتجه لإثراء انتخاباتهم بشراء أصوات ناخبيهم عملاً بنظرية (الأقربون أولى بالمعروف). ولا أدعي سادتي سبقاً صحفياً الآن بعد أن قرر مكتب التحقيقات الفيدرالية فيما يبدو العمل بمشورتي بعد طول انتظار خرجت فيه الروح من الحلقوم!

 

وقد أصاب (شارو) كبد الحقيقة عندما ذكر ولعنا الغريب بنظريات التآمر في عالمينا العربي والأفريقي وإن كنا نحن من ذوي الانتماءات الثنائية أكثر هياماً وغراماً بها عندما نشحذ تفكيرنا عربياً . وليس بجديد تفشي هذه الظاهرة في أمريكا فهي معروفة لديهم منذ أن كانوا يرون بعبعاً سوفيتياً في كل مكان حتى تحت أسرة نومهم (The Red under the Bed) ويرعبون أطفالهم به تماماً كما كان يحدث لنا ونحن صغار مع حكاوي الغول و(البعاتي). والرئيس (ترامب) قد لا يضيره أن يكون (بوتين) شخصياً قابعاً تحت سريره بالفعل ولكنه يرى في الإعلام بعبعاً مقلقاً تجب مناصبته العداء ومحاربته بلا هوادة وهو شأن يشاركه فيه قادتنا بدون استثناء تقريباً كما تشير احصاءات الصحافيين القابعين في سجوننا الأفريقية والعربية. وقد يعول ساستنا كثيراً على الإدارة الأمريكية الجديدة والتي اتخذت بحكم تفوقها الفكري والتكنولوجي نهجاً إعلامياً يتحدث فيه الرئيس ومساعدوه قبل أن يفكروا بلسان متشعب وملتوِ يستبدل الحقائق المتعارف عليها بحقائق بديلة مما يتناسب مع تصوراتهم وأهدافهم وتدعمهم في ذلك (وزارة الحقيقة) في مقرها الجديد بقناة الأخبار (فوكس نيوز) اليمينية علي نحو ما تصور (جورج أورويل) في كتابه الشهير (1984). وهو ما نأمل أن يقوموا بتعليمنا إياه حال انضمامهم إلينا حتى يمكننا تنمية وتطوير (الحقائق البديلة) الخاصة بنا أيضاً في تبادل ثقافي وإعلامي خلاق.

 

وقبل أن أنهي مقالي هذا قررت إلقاء نظرة أخيرة علي مقال (كارل شارو) حتى أتأكد أنني أوفيت كل النقاط التي ذكرها حقها من التعليق. فلاحظت شيئاً فات علىّ في قراءتي الأولى وهو أنه في نهاية رسالته لأمريكا يرفق طلب عضوية في الجامعة العربية ويطلب من أمريكا (كريم تفضلكم بملئه). صحت مندهشاً: (والله حكاية! كمان عملوك الأمين العام للجامعة العربية يا كارل يا شارو من غيرما يكلمونا!).

 

وجلست للتو بعد ذلك لأخط رسالة فورية شديدة اللهجة لرئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي أتهمها فيها بالتقصير المريع في واجباتها.

 

ميريلاند ٢٧ يناير ٢٠١٧

 


Back to Top