Mohamed Beshir Hamid

(هواجس ساخرة (٣٣) : (ممكن ضنبنا يلولح كلبكم؟

Al-Rakoba 10 July 2015

(ممكن ضنبنا يلولح كلبكم؟)

 

 

هناك تعبير بالانجليزية (the tail wagging the dog) يمكن ترجمته حرفيا (الذيلُ الذى يهزّ الكٙلْب) ومنشأ التعبير يرجع فى الغالب للقرن التاسع عشر فى الولايات المتحدة ومعناه العام (الشىء الذى يهمن على الوضع مع أن أهميته ثانوية) ولعل أفضل ما اسُتعمل فيه هذا التعبير فى علم السياسة بما يضفى على معناه بعدا استراتيجيا هو تشبيه (الذيل) الٳسرائيلى بانه يحرك (الكلب) الامريكى فى ما يختص بسياسات الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط. وقد تذكرت هذا التعبير هذه الايام بالذات وأنا أتابع أخر مثال لمحاولة تطبيقه على أرض الواقع والمتمثل فى الضغوط الاسرائيلية المستميتة على الادارة الامريكية بواسطة الكونجرس – الذى يبدو أن سيطرة اللوبى اليهودى عليه تفوق سيطرة نتانياهو على الكنيست – لٳلغاء الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني والتى أبرمتها السداسية الدولية (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا) مع ٳيران بعد مفاوضات ماراثونية دامت قرابة العامين.

 

ولا أخفى عليكم – سادتى – أن شعورا بالضيق والٳستياء قد انتابنى من جراء هذه (اللتاتة) الٳسرائيلية المقيتة والتى بلغت فى تقديرى حد الصفاقة. أفلا يكفى بنى اسرائيل هؤلاء ٳثقال كاهل دافع الضرائب الأمريكى المسكين بتكاليف اعاشتهم وبناء مستوطناتهم ومدهم بترسانة من الاسلحة التقليدية والنووية تكاد تجعلهم عسكريا فى مصاف الدول الكبرى؟ الا يستحون بعد كل ذلك أن يجعلوا رياضتهم المفضلة هى (ترقيص) الكلب الأمريكى لا ينقصهم فى ذلك الا دق الدفوف وزعيق المزامير كما يفعل (القرداتية) عادة؟

 

وكعادتى عندما أكون فى مثل هذه الحالة من الضيق فاننى أفكر سريعا فى كيفية التنفيس عنها. ولذلك لن يستغرب الذين يعرفوننى منكم أننى قررت الاتصال فورا بالرئيس باراك أوباما لابلغه رأيى الصريح فى مثل الهزة الذّٙنٙبية التى لم تراع حرمة لحيوان ولا قدسية لكونجرس. وكعادتى أيضا لم أدخل فى الموضوع على طول بل أستعنت بكل ما تعلمته من دروس (الفهلوة) خلال سنوات اقامتى الجبرية فى القاهرة فبدأت بالسؤال عن السيدة ميشيل (“بالله كيف عاملة مع الرجيم يا باراك؟”) وعن البنتين ساشا وماليا (“خلاص بقن على وش الجامعة؟ ما شاء الله! أنا ممكن أتوسط ليك مع ناس جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا لو عاوزات يقرن طب ويمكن يخفضوا ليك شوية فى الدولارات بس ما تخليهن يمشن تركيا فى الٳجازات!”)

 

بعد هذه الدردشة الأسرية سألنى أوباما عن سبب طلبى العاجل لمكالمته والذى ترتب عليه استدعائه من اجتماع طارىء مع هيئة أركان حكومته لمناقشة استراتيجة الدفاع عن (الدولار) فى مواجهة (وون) كوريا الشمالية.

 

وكما يقولون – سادتى – (ختيتها ليهو على بلاطة): “اسمع يا باراك أنا طريقة نتانياهو القاعد يلولح بيها الكلب بتاعكم ماعاجبانى!”

 

وبكل المقاييس كان ذكر رئيس الوزراء الاسرائيلى بالاسم ضربة معلم من جانبى فلا أذكر أننى سمعت أوباما يستشيط غضبا كما فى تلك اللحظة فقد تدفق من فمه سيل من الكلمات البذيئة يمنعنى عدم معرفتى لمعناها من ترديدها وٳن فهمت منها تشبيه نتانياهو بذات الشىء الذى يشعرنا عادة بالراحة عند التخلص منه. بعد أن هدأ أوباما شرح لى بأسى بالغ أن ما يحز فى نفسه بعد كل الذى بذله لرفاهية شعب اسرائيل هو محاولات نتانياهو الخبيثه تأليب قادة الحزب الديمقراطى عليه وتسفيهه لانجازه التاريخى بوصف الٳتفاق مع ٳيران (بالخطأ التاريخى). تركت أوباما يفرغ كل مافى جوفه من غضب ثم حاولت تطيب خاطره: “معليش يابراك! بس ماتنسى عندك أصدقاء فى السودان”.

 

كان ذلك كما تعلمون – سادتى – فيه لوىٍ واضح للحقيقة وٳن بدا لى حينها أن خطا رفيعا يفصله من الكذب المطلق خاصة ٳذا أخذنا فى الحسبان أننى أعتبرت نفسى ممثلا غير منتخب وغير معين للشعب السودانى بحكم صداقتى غير المعلنة بأوباما.

 

قلت وأنا أختار كلامتى بحذر: ” ممكن ضنبنا يلولح كلبكم يا باراك؟”

 

سكت أوباما برهة ثم قال بلهجة تحمل من المجاملة أكثر مما تبعث على الامل: “كده يا بوحميد خلينا حسع من الموضوع ده” ثم أضاف وكأنه أحس بخيبة الأمل المرتسمة على وجهى: ” أنا النهارده منتظر تقرير مبعوثنا للسودان ولجنوب السودان وبعد ما أشوفه نتكلم تانى”.

 

ظللت أنتظر مكالمة أوباما على أحر من الجمر وعندما هاتفنى أحسست من اول كلماته (والله يابوحميد أنا “متفائل بحذر”) أن الموضوع لا يبشر بخير. وبعد هذه الافتتاحية الدبلوماسية بدأ يعدد لى لماذا هو غير متفائل بالمرة (وهو ما يعنيه الحذرالدبلوماسى فى هذه الحالات) فقال وهو يقرأ ببطء: “اولا سجلكم فى حقوق الانسان يترك الكثير لما تشتهيه النفس وغنى عن القول يوجد مجال واسع للتحسن”. صمت برهة وسمعته يتهامس مع بعض مستشاريه ثم أردف قائلا: “وبعدين يا خى جميل جدا تحبوا تساعدوا السعوديين أخوانكم فى العروبة فى حرب اليمن لكن كان فى داعى تحرجوهم بالطريقة دى؟”. هنا هممت أن أقاطعه قائلا: “والله كنا فاكرين عندنا أكتر من تلاتة طيارات حربية” ولكنى آثرت السكوت فمن يدرى فقد يقصد (حاجة تانية من بلاوينا ومِحِنا)!

 

استطرد أوباما قائلا : “ثانيا التقرير يقول أن ملف السلام لا زال ملفوفا وأن الحكومة لم تهبط بعد من (وثبتها) الضفدعية الأولى وأن الحوار أصبح مثل (حجوة أم ضبيبينة) ودى أنا ماعارف معناها شنو ولو طلعت حاجة كويسة ممكن تشرحها ليّا يا بوحميد عشان أستعرض بيها شوية على هيلرى كلينتون”. وهنا أكاد أقسم – سادتى – أننى أستطيع أن أسمع أوباما وهو يهمس لمساعديه باضافة هذا التعبير لخطبته السياسية القادمة. تابع قائلا: “ثالثا المبعوث بتاعنا لاحظ بشىء من الامتعاض أن ناسكم الايام دى عاملين الدرب لبكين ساساقة والتقول سورالصين العظيم ذاتو ما قادر يحوشكم، وبينى وبينك يا بوحميد المبعوث ماخد فى خاطره شوية من الموضوع ده وقال خلاص لو عاوزينهم بالشكل ده اتلموا عليهم وخلصونا”.

 

وبعد فترة أخرى من التهامس مع مستشاريه أستأنف أوباما حديثه: “رابعا المبعوث قال ما عاوز يتدخل فى الشكلة القائمة وسط ناسكم فى موضوع (سيقا) والدقيق والقمح ومنو فيكم قاعدين يلغفوا أكتر من التانين. وكمان قال لن يعلق على الشكلة الفضيحة القامت فى فندق روتانا للسلام والتلاسن والتشاتم اللى حصل بسبب شوية قريشات قطر الفضلت. على الاقل الاسرائيليين بيودوا الفاسدين بتاعنهم السجن حتى ولو كان الفاسد هو المفسد وكمان رئيس الجمهورية. بس المبعوث منزعج شوية من حكاية التعدين عن الذهب والمافيا الروسية الخاشة بلدكم زى ٳعصار كاترينا وبيقول أحسن تعملوا حسابكم، الروس ديل مش بتاعين (الروس الروس حباب التيوس)”.

 

مضت فترة صمت قصيرة آثرت فيها أن ألوذ بالصمت أيضا عملا بالقول المأثور (أنا مالى والهوى والبلاوى دى كلها). وقد يكون الحصفاء منكم – سادتى – قد لاحظوا أن أوباما قد درج فى حديثه معى على تناوب استعمال ضمير المُخاطٙبْ وضمير الغائب وتلك خاصية تنفرد بها اللغة الامريكية، خاصة عند استعمالها فى مجال الدبلوماسية بدلا من اللغة الانجليزية، والغرض منها (جهجهة) المُخاطٙب وجعله يفقد المقدرة على التفكير السليم (ويقال – والعهدة على الراوى – أن الرئيس الامريكى الاسبق رولاند ريقان أستعمل نفس الأسلوب عندما خاطب الرئيس السوفيتى قورباتشوف فى قمة آيسلانده عام ١٩٨٨ قائلا:”يا مخائيل أهدم هذا الجدار!” (يقصد حائط برلين). رجع بعدها قورباتشوف لموسكو وقام بهدم الاتحاد السوفيتى بأكمله!).

 

قد أكون مبالغا – سادتى – لو قلت أن الشعور الذى تملكنى بعد انتهاء الرئيس أوباما من تلخيص تقرير مبعوثه هو أن أقوم بهدم بيتى على رأسى وبنفس المقدار سأكون كاذبا لو أنكرت أن نوعا من خيبة الأمل لم يعتصرنى. فأنا من ناحية أمتلك من الواقعية السياسية مايكفى لتفهم أنه لا أحد يستطيع ان يحل مكان اسرائيل عند الامريكان ومن ناحية أخرى فلم أخرج من المولد بدون حمص كما يقولون. فأخر كلمات أوباما قبل أن ينهى المحادثة لم تخلُ من طاقة صغيرة تبصبص من خلالها عسى ولعل: “شوف يا بوحميد ما حنقدر نخلى ضنبكم يلولح كلبنا لكن ممكن نخلى كلبنا يلولح ضنبكم…”

 

بيثيسدا ميريلاند

 

الاحد ١٢ سبتمبر ٢٠١٥

 


Back to Top