Mohamed Beshir Hamid

هواجس ساخرة (٢٥): (ديك) المؤتمر

5Al-Rakoba 31 October 2014

(ديك) المؤتمر

 

 

وقع بصرى قبل ايام على مقال دكتور على حمد ابراهيم بعنوان (الذين لا تؤذن ديوكهم عند الفجر الصادق) وبعدها مباشرة طالعت مقالا للدكتور عبدالوهاب الأفندى بعنوان (ٳقناع ديك المؤتمر الوطنى). والذى اثارانتباهى ليس مضمون المقالين فاننى اعترف ان ضعف البصر ووهن الذاكرة جعلانى مؤخرا اكتفى بقراءٙة عناوين الكتب والمقالات والصحف وحتى لو تملكتنى رغبة قوية أو مقدرة استثنائية على القراءة فأننى أنسى الموضوع بمجرد الانتهاء من قراءته. الذى حرك فضولى سادتى هو ذكر (الديك) فى كلا المقالين مما أثار هواجسى وجعلنى أتسأل: هل الديك الذى لا يؤذن عند الفجر الصادق هو نفس ديك المؤتمرالوطنى الذى حاول الأفندى ٳقناعه؟ واذا كان الأمر كذلك فماذا يا ترى يمنعه من الأذان؟ هل الامر يعود لصفة (الصادق)؟ ام ان ديك المؤتمرلا يرفع عقيرته بالآذان ٳلّا ٳذا كان الفجر (كاذبا)؟ ثم لأى فصيلة ينتمى هذا الديك؟ هل هو من ديوك البطانة وذهب لمؤتمر الحزب وهو (مدلدل) على قناية ورجع وهو (مدلدل) ولم يرى شيئا ٳلّا (بالمقلوب)؟

 

لقد احترت سادتى لهذا الأمر وفكرت جادا الاتصال بأخونا البروف كامل الذى تخصص لسبب لا يعرفه الا شقيقه (العمدة خالى الأطيان) فى حكاية الديوك هذه ولكن بعد تفكير عميق تغلبت فيه المصلحة القومية على الاستفادة العلمية قررت ترك هذا الامر تحسبا لما قد يطلع به علينا البروف (أو شقيقه العمدة خالى الأطيان) من حكاوى وبلاوى ديوك مشروع الجزيرة و(بحر أبيض) فكفانا ما نحن فيه من فضائح ووثائق مسربة. قررت بحزم ان احسم الامر بالرجوع للديك نفسه وخرجت على الفور للبحث عنه ولدهشتى وجدته واقفا على الحائط القصير الذى يفصلنى عن جارنا. تمعنت فى الديك وغاظنى أن أراه منتفخ الاوداج يجول بعرجة خفية وكأنه سلطان يستعرض ما تبقى من مملكته الواسعة.

 

سألته جادا وأنا أحاول أن أعطيه حقه من الاحترام : “أسمع يا مستر ديوك! انت ديك المؤتمر؟” لم يرد علىّ وحدجنى شذرا ثم اشاح بوجهه عنى وفرد جناحيه وكأنه يهم بالطيران ولكن يبدو أنه غير رأيه وسألنى بلغة (الكاوبويات) : (Who wants to know?) “منو العاوز يعرف؟”

 

سارعت أولا بالتأكيد له أنه لا تربطنى أى علاقة، اكاديمية كانت أم شخصية، بالبروفسير الأمريكى أريك ريفز وأن ما نُشر فى وثائقه الملفقة عن استلامى ثلاثة دولارات للتجهيز (الشعبى) للانتخابات هو محض افتراء، اذ أننى اصبحت اتقاضى عمولتى باليورو منذ ان قرر (اشقاؤنا العرب) منعنا من ايداع دولاراتنا الضٙئيلة فى بنوكهم تمشيا مع سياسة المقاطعة التى تمارسها علينا امريكا (التى ولى عذابها). وكدت أن أخبره رياء۫ أننى عضو فى مجلس الشورى وأريد ان أعرف اذا كان سيصوت لى فى انتخابات رئاسة الحزب والترشح لرئاسة الجمهورية ولكنى تذكرت اننى لست من الخمسة “المبشرين” والذين سيتم تنزليهم الزاميا الى ثلاثة ثم الى واحد وقررت التزام جانب الحيطة فقلت صادقا: “والله أنا عاوز أفهم الهيصة الحاصلة دى كلها معناها شنو!”

 

نظر لى باشفاق وكأنه يتحسر لفهمى القاصر سالنى بعربية فيها عُجمة عنما تعسر على فهمه.

 

احترت من اين أبدا. هل اذكر معجزة جنيهنا السودانى الذى اعتقدنا أنه قد شبع موتا والذى ظهر فجأة فى مدخل السوق الاسود وهو ينفض التراب عن اطرافه ويجرجر رجليه المثقلتين بالديون خلف الدولار متوسلا: “يا خالى الأخضرخالينى وماشى وين؟!” أو هل أتساءل عن المغزى الخفى لمشاركة (الشيخ) فى مؤتمرحزب قال فى قادته وقالوا فيه ما يمنعى الحياء من ذكره؟ هل اتطرق لمـآلات الحوار والانتخابات وأيهما يأتى أولا البيضة أم الدجاجة؟ وهنا تذكرت أننى اتكلم مع (ديك) وخفت أن يفسر تساؤلى كطعن أو تشكيك فى (ديكيته)، فقررت ان اجعل سؤالى فضاضا بتحميله كل تلك المعانى فقلت : “أنت ليه ما عاوز تأذن للفجر الصادق؟”

 

عندها انتابته حالة عصبية جعلت (علعلته) تتأرجح ذات اليمين وذات الشمال وجنح براسه الى اعلى فى تأفف عصبى كاد ان يفقده توازنه ولكنه حرك جناحيه بسرعة ليحتفظ بصعوبة بوقار وقفته على الحائط. وقال لى وهو يحاول ان يتملك نفسه من الغضب بصعوبة اكثر: “ايه حكاية (الفجر) و(الصادق) الشابكين فيها دى؟ نحن قلنا نسيتو حكاية (كمبالا) تجو كمان ناطين علينا من (باريس)؟”

 

حقيقة فاجأتنى هذه الثورة العارمة فقررت ان أضع السؤال بطريقة أخرى فقلت: “طيب متين حتبدا الأذان؟” وهنا انفرجت اساريره وقال: “بعد ما ننتهى من مداولاتنا فى المؤتمر وننتخب رئيس الحزب اللى حيكون مرشحنا لرئاسة الجمهورية وبعدين تجوا انتو تكاكو معانا فى الانتخابات وما تخافو من حاجة فالواد المصمم جهز كل سجلات الناخبين وكل حاجة تمام التمام”. شكرته على هذا التأكيد الذى أدخل الطمأنينة فى قلبى. هممت أن اساله مٙن۫ مِن الخمسة المبشرين سيتم تنزيله (أو بالأحرى ترفيعه) وبأى وسيلة ديقراطية سيتم ذلك: (الحر المباشر) أم (المباشر الحر) عملا بسياسات اتحادات الطلاب المعروفة نتائجها سلفا؟

 

ولكن فجاة قطع سيل تفكيرى صوت (أم العيال) وهى تصيح من خلفى: “انت جنيت ياراجل؟ واقف فى الحوش تبحلق فى ديك الجيران وكمان بتتكلم معاه؟”. تمتمت بشئ من تحت أنفاسى بما معناه “فضل لينا شنو غير نتكلم مع الديكة”، ثم تراجعت بسرعة لغرفتى قبل ان تتمكن من فك شفرة عبارتى وتقوم بتفسيرها خطاً. رقدت على العنقريب ولسبب لا ادرى مصدره تذكرت أن اليوم هو الاخير من شهر اكتوبر المجيد فتملكنى شعور بالأسى لمروره سريعا بيننا مرور الكرام. وبعد فترة نظرت من النافذة فوجدت الديك قد تحرك فوق الحائط مختالا ليواجه نافذتى ورأيت نظرة الشماتة التى رمقنى بها وكأنه يقول “نحن عملنا مؤتمرنا وحننتخب رئيسنا وانتو يا ناس زعيط ومعيط عملتو شنو غير الكلام الكتير؟”

 

ماذا يمكننى يا سادتى أن أقول وبماذا أرد؟ الحق حق حتى لو أتانا من ديك! ولكن أصدقكم القول أن صفاقته أوجعتنى وبدأت أسائل نفسى (من أين أتى هولاء الديكة؟). وفجاة تذكرت شيئا قد فات علىّٙ، فسالت (ام العيال): ” انتى ياولية أبدا سمعتى الديك ده بأذن؟” ردت قائلة: “يؤذن شنو يا راجل، ده حمانى النوم من (العوعاى) الكتير طول الليل التقول مغروض فى وديعة قطرية!” وهنا انتفضت وأنا أهتف عاليا: “وكمان طلع ديك المسلمية!! ولعى النار وجهزى الحلة واقلى البصلة يا ولية! امانة ما فى زول (عوعايو) كتر الليلة”.

 

واخرجت سكينى من بيتها وتوجهت بخطى حثيثة نحو الحائط الذى يفصل منزلى من بيت الجيران وأنا لا أدرى يا سادتى ماذا دار فى ذهن الديك المسكين وهو يرانى اتقدم نحوه ونيتى يُنبئ عنها الشرر المتطاير من عينىّٙ ولعله لو لم يُلجم الخوف لسانه لصاح: “بين سٙلة السكين والضبِح يحلها الحلل الوليد (غسان)”!

 

٣١ أكتوبر ٢٠١٤

 


Back to Top