Mohamed Beshir Hamid

“هواجس ساخرة (١٦): “بلة الغائب و(القرم) وبلاد الجن الأحمر

Al-Rakoba 19 March 2014

بلة الغائب و(القرم) وبلاد الجن الأحمر

 

 

سعِدت وأنا أطُالع في تصريح متداول على مواقع التواصل الإجتماعي أن المتصوف السودانى (بلة الغائب) أكد أن الطائرة الماليزية التى اختفت خلال رحلة من (كولالمبور) الى (بكين) ولم يعثر لها على أثر منذ قرابة الاسبوعين موجودة “ببلاد الجنّ الأحمر”، وأنه قادر على العثور عليها إذا ما طُلب منه ذلك. وبقدر شعورى بالفخر والٳعتزاز لما يعنيه مثل هذا الٳنجازمن رفع شأننا بين الأمم، تملكنى احساس غامر بالغضب والٳستهجان ليس فقط لتجاهل وكالات الأخبار هذا التصريخ الهام بل لتهاون وتقاعس دول العالم فى طلب المساعدة من (بلة الغائب) فى وقت فشلت فيه ٣٠ دولة بسفنها وغواصاتها وطائراتها وأقمارها الصناعيّة في العثور على الطائرة المختفية. وقد عزوت هذا التجاهل الى ما دٙرجت عليه دول الٳستكبار فى محاربة مشروعاتنا الحضارية وتوجهاتنا الرسالية. وقد استغربت هذا التصرف خاصة من ماليزيا المسلمة والمستودع الآمن لمالنا وعقاراتنا والفائض الربوى من ميزانياتنا والمنهوب (التجنيبى) من خيرات بلادنا.

 

قررت بحزم لم أعتاد عليه وضع حد لهذا التهاون. وعملاً بالمثل القائل بأن أول خطوة نحو المعرفة هى الٳعتراف بجهلك. قمت فوراً بالٳتصال بأحد اصدقائى وهو خبير عالمى فى الجغرافيا الكونية وسألته على الفور: “قل لى يادكتور بلاد الجن الأحمر دى وين؟”.

 

ويبدو أن سؤالى كان مفاجئاً له فلم يرد لفترة طويلة وأكاد أتخيله ينظر لسماء الله الواسعه وهو يحك رأسه متحيراً وأخيراً جاء صوته قائلاً: “يبدو أن بلاد الجن الأحمر دى عبارة عن رمز لمنطقة جغرافية معينة ولو ما أخاف الكدب افتكر أنها منطقة (القرم) الواقعة على البحر الأسود والتابعه لأوكرانيا”. قلت له بلهجة استفزازية: ” يا دكتور خليك منطقى وواقعى وعلمى فى تفكيرك. كيف بلاد الجن (الأحمر) تكون موجودة فى البحر (الأسود)؟ أنت عندك عمى ألوان؟ وبعدين ياخى كيف طيارة تقوم طوالى من (كولالمبور) الى (القرم)؟ مين زودها بالوقود فى الجو؟ ومنو بقدر يعمل كده غير الأمريكان؟”

 

صمت فترة ثم تسأل متردداً: “يكون الجن الكلكى؟”

 

قررت أن صديقى الدكتور بكل مؤهلاته الأكاديمية لن يفيدنى كثيراً فى مثل هذه الأمور العلمية ذات الخاصية التقنية وأن علىﱠ محاولة التوصل للمعرفة المطلوبة بالٳتصال ببلة الغائب نفسه. ولكن احترت بأى لقب أخاطبه. فكرت فى لقب (الشيخ) ولكنى كنت أعرف أن (الشيخ الكبير) لا يحب أن يشاركه أحد فى هذا اللقب اللهم الا اذا أثمر غزله هذا الايام مع المشير – والذى يرقى فى تقديرى لمرتبة الشروع فى عمل غير أخلاقى – فى ترفيعه من المنشية للقصر. فكرت فى لقب (سيدى) ولكنى خفت أن يرفع (ابوكلام) أو (مولانا) دعوى ضدى بحجة التعدى على أملاكهم الطائفية. فكرت فى (الأمام) بلة (الغائب) ولكنى خفت أن أتسبب فى أزمة دبلوماسية مع ايران أيضاً خاصة أن علاقاتنا مع السعودية وكل دول الخليج تقريبا “مش ولا بد” هذه الأيام.

 

وبعد تفكير عميق توصلت الى لقب لن يسبب لى أى مشاكل مع أحد وقمت فوراً بالاتصال ببلة الغائب هاتفاً: “سلامو عليكم يا (انطون) بلة!”

 

فرد علىﱠ هاشاً باشاً: “أهلا بيك! أهلا بيك! انت من طرف الوالى والٙا سعادة اللواء؟”

 

قلت صادقاً: “الحقيقة أنا ما عندى صلة بناس الكورة ديل ولكن عاوزك فى موضوع فيه برضو حكاية التغييب العقلى والفكرى دى واردة، بس المرة دى بدل ماتطٙفِش الكورة من القون تقوم تجيب الكورة الطافشة!”

 

فقال بنبرة لا تخلو من خيبة أمل: “ممكن تشرح اكتر بالضبط تقصد شنو؟”

 

قلت: ” شوف يا (انطون بلة) أنا أقوم وأقول للماليزيين يطلبو منك تجيب الطيارة بى ركابها من بلاد الجن الأحمر، اصلهم ناس طيببين وبيحبونا واول مايشوفو سودانى (متمكن) يقوموا طوالى يفتحوا ليهو حساب فى البنك ويعرضوا عليه فيلا وحاجات كده زى الفُل وبالعدم يمكن شقة شقتين لو ما (متمكن) قوى. المهم أنا حأبقى مدير أعمالك وخلى اى حاجة علىﱠ بس انت تركز وتجيب الطيارة من بلاد الجن الأحمر”

 

وافق بلة الغائب وتم بالفعل عقد مؤتمر دولى فى مطار(كولالمبور) حضره رؤساء ماليزيا والصين ودول أخرى وقام بلة الغائب ببعض الهمهمة والتمتمة واحراق البخور وفجأة ظهرت فى الأفق الطائرة المختفية وحطت بسلام ونزل ركابها وهم يهللون “ما لدنيا قد عملنا!”. عانق بعضهم بلة الغائب والدموع تنهمر من عيونهم وأدلى بعضهم باحاديث لوكلات الأخبار العالمية عن كرم وحفاوة أهل بلاد الجن الأحمر. كما أعترف بعضهم برغبتهم فى العودة الى هناك.

 

بعد أيام من هذا الحدث العالمى الهائل رن هاتفى وأنا جالس فى فيلتى بضواحى (كولالمبور) أراجع حسابات ملايين الدولارات من عمولتى فى عملية استعادة الطائرة. ولدهشتى كان المتحدث هو الرئيس أوباما الذى بادرنى قائلاً: “أسمع يا بوحميد أنا عاوز منك خدمة بسيطة. ممكن تخلى زولك بلة الغائب ده يجيب لينا حاجة رايحة مننا؟”

 

قلت مرتاعاً: “اوع تكون طفشت منكم طيارة انتو كمان؟”

 

فقال بلهجة حزينة وهو يكاد ينفجر باكياً: “الحقيقة الموضوع اكترواكبر من كده. طفشت مننا بلد بى حالو يا بوحميد! فقبل أيام (القرم) اختفت فجأة من الرادار بتاعنا وسفننا وطائراتنا فى البحر الأسود فتشت عليها فى كل حتة ما لقتها، واصحابنا الأوكرانيين حالتهم بقت صعبة ونحن ماعارفين نعمل شنو!”

 

قلت مواسياُ: “تعرف يا بارى حاجة غريبة فعلا قبل أيام كنت بتكلم عن (القرم) مع واحد صاحبى أخصائى جغرافيا. بسى قول لى سألتوا الروس عن الموضوع ده؟”

 

قال أوباما: “طبعا، قبل دقائق كنت بتكلم مع صاحبى بوتين وحلف بى (راسبوتين) وهو لينين الجديد بتاعهم انو ما شاف (القرم) طفش وين ولا حتى سمع بيهو!”

 

قلت مُطٙمِئناً: “بالطبع حنساعدك يا بارى، بس الحكاية دى حتكون مكلفة شوية”

 

رد أوباما مُتلهفاً: “مافى مشكلة يا بوحميد، أنا مستعد أديكم نص تكساس!” وصمت برهة ثم أضاف قائلاً بحذر: “أصلو انا الايام دى متعكنن حبتين من ناس حزب الشاى عندنا”.

 

أدركتُ على الفور أن أوباما بذكائه التٙفاوضى يريد منى أن (أزٙاوِد) عليه بأن أطلب كل تكساس ويمكن أيضاً ميسسبى وأركنساس وجورجيا وميسورى فقلت فى سرى: “دى على مين يا شاطر؟ خلى المهووسيين البيض بتاعينك معاك. نحن كفاية علينا المهووسيين اللى عندنا”. أخبرت أوباما أن “ربع تكساس كفاية علينا” وأنه اذا كانت لنا، أنا وأخوى بلة، أحلام أو أطماع توسعية فبلاد الجن الأحمر واسعة. وبعد أن (ظٙبطتٙ) موضوع الصفقة مع أوباما بما فى ذلك (تجنيب) مبلغاً محترماً من الدولارات (لزوم البونص بتاعى) أتصلت ببلة الغائب لأنبهه بضرورة شد الرحال ٳلى (كييف) عاصمة أوكرانيا لتولى الاحتفالات بعودة (القرم) ولأُبشره بأننا، هووأنا، سنصبح قريباً من رعاة البقر (كابويات يعنى) فى تكساس.

 

ولكم ياسادتى أن تتخيلوا مدى حيرتى وٳحباطى وتعاستى وأنا أسمع هذا (الانطون) وهو يرد علىﱠ بكا صفاقة قائلاً: “اسمع يا زول بلاش تكساس وبلاش كابويات. شوف ليك طريقة اتخارج من أوباما بتاعك ده. أنا حسع قاعد فى (الكرملين) فى موسكو بجهز شوية بخرات ومحايات وبلعب على المضمون. فالرفيق (بوتين) وعدنى بنص سيبيريا اذا طفشت الباقى من (أوكرانيا) ذاتها الى بلاد الجن الأحمر”!!!

 

ميريلاند

١٩ مارس ٢٠١٤


Back to Top