Mohamed Beshir Hamid

“هواجس ساخرة (١٥): “يا أوباما يا دى جانقو

Al-Rakoba 13 October 2013

“يا أوباما يا دى جانقو، لن يحكمنا لص شيكاغو”

 

 

لكم يا سادتى أن تتخيلوا مدى ٳرتياحى وأنا أقرأ خبر المظاهرة التى خرجت الجمعة الماضية من جامع الخرطوم الكبير تحت لافتة تحالف قوى الدستور الٳسلامى والاسلوب الحضارى الذى تعاملت به قوات الأمن والشرطة مع المتظاهرين. وكما جاء فى تحليل أخبارى للصحافى محمد لطيف فٳن الشرطة فى تعاملها هذا قد تحولت ٳلى “كائنات وديعة لا تهش ولا تنش” وقامت بواجبها الأمنى خير قيام ليس فقط فى فى تأمين المتظاهرين بل أيضاً فى تأديب المتفرجين (وأغلب ظنى لتقاعسهم المخذى فى ممارسة حقوقهم المدنية )

 

وكلما أمعنت التفكير فى هذا التصرف الحضارى أجدنى أهز رأسى أسفاً وتحسراً وألماً على ما جرى فى الأسابيع الماضية من قمع وحشى فى بعض البلدان المتخلفة حيث درجت اجهزة الأمن التنكيل بالمسيرات السلمية بما فى ذلك اطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين وقتل المئات واعتقال الآلاف بما فيهم النساء والأطفال. لماذا لا يحذو هولاء الأوباش مثل هذا الاسلوب المتحضر المتمثل فى تظاهرة الجمعة ليس فقط من جانب قوات الأمن والشرطة بل من جانب قوى التحالف التى يقودها الخال الرئاسى فى حرصها على مايبدو للحصول على تصديق رسمى من السلطات لتسيير مسيرتهم السلمية؟ فالأعداد المهولة من رجال الأمن والشرطة والذين فاقت أعدادهم المتظاهرين عشرات المرات والتى رافقت المسيرة السلمية لا يمكن أن يكونوا قد تواجدوا بالصدفة (ولا احد يعلم أعداد رجال الأمن الذين انخرطوا فى المسيرة مساندة وتقديراً).

 

وصلت الى قناعة أنه يجب تأكيد هذا المسلك الحضارى والسلمى فى تأمين أى مسيرات مستقبلية فقررت أن أحذو حذو الخال الرئاسى بتسيير مظاهرة تحت حماية رجال الأمن والشرطة.

 

ذهبت لمقابلة السيد وزير الداخلية لٳستخراج التصديق اللازم. ويبدو أن الأمر ٳشتبه عليه بداية فقد سألنى بحدة أول ما رآنى: “يا زول انت فكوك متين من بيوت الضيافة بتاعتنا؟”

 

فقلت: “أبدا سعادتك أنا بطلت أصيف فى المنتجعات بتاعتكم دى من فترة طويلة”.

 

قال والحدة لا تزال تطغى على صوته: “طيب جاى هنا عاوز شنو؟”

 

قلت متبسماً: “والله سعادتك مغروض فى حتة تصديق لمظاهرة”.

 

هنا تلفت سعادته يمنة ويسرة ليتأكد أن حرسه الخاص لا يزال مرابضاً فى أنحاء الغرفة ثم خبط بقبضة يده على مكتبه صائحاً: ” نحن قلنا ما فيش مظاهرات يعنى ما فيش مظاهرات!”

 

وسارعت بالقول: “لكن سعادتك دى مظاهرة سلمية ذى بتاعة خالنا الرئاسى”

 

وسألنى بدهشة متفحصاً ملامحى وظلال من الشك تطل من عينيه: “هو الخال الرئاسى خالك أنت كمان؟”

 

كدت أن أتفوه بادعاء كاذب ولكن شىء ما بداخلى أشعرنى أن سمعة عائلتى أهم من أى مكسب رخيص فقلت بلهجة شبه ٳنبطاحية لا يعرفها الا من أعتادوا(مسك العصاية من النص): “هو مش الخال الرئاسى خال الكل و الست الرئاسية هى ست الكل زى الريس هو رئيس الكل ؟”

 

ويبدو ان ردى لم يعجب سيادته فلعله كان يتوقع ٳنبطاحة شاملة ولكنه هدأ قليلاً ثم همهم سائلاً: “طبعا طبعا! طيب ايه الشعار بتاع المظاهرة؟”

 

أجبت من غير تردد وبٳبتسامة عريضة: “الشعب يريد اسقاط النظام!”

 

وفى لحظة كان أفراد الحرس قد احاطوا بى وهراواتهم الغليظة فى طريقها الى رأسى وعندها هتفت صائحاً فى هلع شديد: “أنا بقصد النظام الأمريكى!”

 

ولا بد أن هلعى كان مقنعاً فبٳشارة من يده توقفت الهراوات على بعد سنتمترات من صلعتى .

 

سألنى السيد الوزير: “طيب ايه اسم الحزب او التحالف اللى عاوز ينظم المظاهرة؟”

 

قلت وأنا أبتسم ببلاهة: “ده اسموا (حزب الشاى) يا سعادتك”

 

ولمحت نظرات سيادته تتجه للحراس الرابضين خلفى وقبل أن ترتفع هراواتهم الى أعلى من جديد صحت بسرعة: “اصلو نحن متحالفين مع حزب الشاى (الأصل) (Tea Party) فى أمريكا وده يا سيادتك حزب جديد مسيطر على الكونجرس الأمريكى وقِدروا يٙقفلوا (shutdown) الحكومة المركزية بالضبة والمفتاح وكمان قالوا ماحيرفعو سقف المديونية الفيدرالية (debt ceiling) الا الرئيس أوباما يستقيل ويمشى يسلم نفسو لمحكمة الجنايات الدولية”

 

سالنى سيادته مندهشاً: “هو أوباما مطلوب فى (لاهاى) كمان”

 

أجبت: “ايوه سعادتك من يوم ناس حزب الشاى اتهموه بمحاولة ٳبادة الشعب الأمريكى لٳصراره على عدم رفع الدعم عن الرعاية الصحية والتى يسميها ناس حزب الشاى رعاية الموت”. وأضفت هامساً وأنا أغمز بعينى: “بعدين ما تنسى سيادتك انو من اصل كينى”. ولكن يبدو أن اللبيب بالاشارة لم يفهم فاستطردت قائلاً: “غايتو اذا ركب رأسو وما سمع الكلام الأقتصاد الأمريكى سينهار والدولار بتاعهم حيلحق الجنيه بتاعنا”

 

ويبدو أن كلامى قد أعجب السيد الوزير فقد سألنى وظلال ابتسامة على شفتيه: “يعنى حيفلسوا زينا؟”

 

قلت: “بالتأكيد سيادتك وعشان كده عاوزين نعمل مظاهرة تضامن مع ناس حزب الشاى”.

 

طلب منى أن أعطيه العدد التقريبى للمشاركين فى المسيرة. قمت بعملية حسابية سريعة لحصر أفراد عائلتى بما فيهم الأحفاد. وبعد عملية أخرى اكثر تعقيداً قمت بحصر أصدقائى وقررت استبعاد الذين لهم انتماءت أو ميول حزبية (واحد شيوعى–جناح بكين؛ وواحد حزب أمة-جناح ابو كلام؛ وواحد اتحادى ديقراطى– فرع متفرع من فرع الأصل؛ وواحد مؤتمر شعبى من حيران الشيخ؛ وواحد من الحركة الشعبية –قطاع الجنوب-جناح باقان ). وبعد استبعاد كل هؤلاء اكتشفت أنه لم يتبقى لى أى أصدقاء. نظرت لعدد أفراد عائلتى وفى لحظة تٙجلى قررت وضع عدد من الأصفار أمام العدد الكلى لأفراد العائلة العشرين بما يساوى تقريبا عدد الاصفار التى تمت أضافتها للجنيه السودانى منذ قرابة الخمسة وعشرين عاماً وأنا أقول لنفسى “وليه لا؟  ده مش تخفيض ده تضخم وما فيش حد أحسن من حد”

 

قدمت القائمة للسيد الوزير وبعد أن تأملها مليا خاطبنى قائلاً : “والله لازم اكون صريح معاك يا زول. اثنين مليون متظاهر ده عدد كبير علينا. ده الٳحتياطى المركزى والأمن والشرطة ما حيكفو ويمكن نحتاج لانزال سلاح المظلات. ومع ده كلو ما حنقدر تأمين المظاهرة وتأديب المتفرجين فى نفس الوقت”. وبعد أخذ ورد توصلنا لتقليص العدد لنصف مليون (بعد عملية حسابية معقدة قمت فيها باستبعاد الأحفاد وشطب عدة أصفار).

 

وهكذا يا سادتى خرجت من مكتب السيد الوزير وأنا أحمل فى يمناىّ التصديق وفى يسراىّ قائمة بالهتافات التى وافق سيادة الوزير على ترديدها. سيكون مسار المظاهرة يوم الجمعة القادم من جامع كافورى الرئاسى الى مقر السفارة الأمريكية فى شارع الحرية وبعد أن نكتشف بعد وصولنا الى هناك أن المقر قد تمر نقله ٳلى سوبا سنرجع لكافورى للتوجه من جديد الى سوبا. أما الهتافات التى تم الأتفاق على ترديدها فهى كالآتى: (يا أوباما يا دى جانقو، لن يحكمنا لص شيكاغو) (امريكا قد دنا عذابها، واليوم أعلنت ٳفلاسها) (حريقة حريقة يا بو الجاز، أمريكا عِدمٙت الدولار) (غور غور يا باراك، دى اللاهاى منتظراك). وأود سادتى تكرار تنبيهكم بالالتزام بهذه الهتافات مع ضرورة عدم الخروج عن النص أواضافة هتافات جديدة. وفى حالة عدم الألتزام بهذه التعليمات الواضحة فسيقوم رجال الصاعقة فى المروحيات المحلقة فوق المظاهرة بٳختطاف المخالفين من المسيرة ورميهم فى صفوف المتفرجين.

 

وكل عام ،سادتى، وأنتم بخير

ميريلاند

١٣ أكتوبر ٢٠١٣


 

Back to Top