Mohamed Beshir Hamid

هواجس ساخرة (١٤): حكاية قوش

Al-Rakoba 25 May 2013

حكاية قوش والإفراج والحاجة كلتوم

 

 

كتب الزميل حيدر المكاشفى فى عاموده بصحيفة (الصحافة) قبل أيام: “الآن وبعد أن خرج قوش ومن معه من السجن كآخر معتقلين على ذمة ما عرف بالمحاولة الانقلابية وتوافد المهنئون بسلامة الخروج على منزله زرافات ووحدانا بمن فيهم قيادات بارزة في الحكم والحزب الحاكم والحركة الاسلامية، لفت هذا المشهد نظر بعض النابهين من غير المذكورين، فتساءلوا في إستغراب «وعلى من كان الانقلاب» اذا كانت القيادات المفترض أنها منقلب عليها تتوافد على منزل من يفترض أنه كان على رأس الانقلاب لتهنئته بالخروج، وأردفوا هذا السؤال بسؤال آخر فحواه «بل وفيم الانقلاب نفسه» إذا كان أول تصريح للمفرج عنه هو أن الرئيس البشير أب للجميع وأنه باقٍ على عهده في حزب المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية”

 

وبما أننى أعتبر نفسى أحد النابهين الذين أشار إليهم الكاتب فقد قررت عدم الإكتفاء بالتساؤل بل بالبحث عن حقيقة من كانوا وراء الإنقلاب وعلى مٙن كان الإنقلاب وفيم كان الإنقلاب. فكرت بداية التوجه لجهاز الأمن عندنا لأستعين بخبراتهم الواسعة وإمكاناتهم غير المحدودة فى عد أنفاس العباد وتتبع دبيب النمل والتصنت على نعيب البوم وغناء الكروان على حد سواء. ولكن بعد تفكير عميق تبينت خطل هذا التفكير. فمن يدرى فقد يكونوا قد أعادوا الفريق أول قوش رئيساﹰ للجهاز مترقياﹰ لرتبة مشير (تانى؟) وعندها قد يأخذونى إليه فيسألنى: “وأنت ليه عاوز تٙنكُت الحاجات دى تانى؟” وأدخل فى (سين وجيم( وابقى فى )حيص بيص) وقد ينتهى الأمر بإتهامى بتدبير الإنقلاب. وهناك إحتمال أخر قد تكون عواقبه لا تقل سوءاﹰ فقد يمسك جماعة الأمن بتلابيبى بمجرد دخولى مكاتبهم وهم يصيحون فىّٙ:”تعال هنا يا ابن الإيه انت كنت مندسى السنين دى كلها وين؟”.

 

وهدانى تفكيرى للإستعانة باجهزة مخابرات أجنبية وأول ما خطر فى ذهنى جهاز الموساد. فالإسرائيليون هؤلاء تحلق فى فضائنا الجوى طائرتهم الهجومية صباح مساء وتحوم فوق رؤوسنا (صقورهم) التجسسية باجهزة إلتقاطها الحساسة المربوطة فى سيقانها وكأنهم استكثروا علينا طائرات (الدرون) من غير طيار، ليرصدوا ويحللوا كل ما يدور فى بلادنا. فهم بالتأكيد يعرفون عدد الغزلان التى اصطادها جماعة الجبهة الثورية فى طريقهم إلى أم روابة وأبوكرشولا، ويدرسون بجدية الفتاوى (الختانية) للشيخ دفع الله والأطُروحات التحليلية لخبيرنا الوطنى، والإستراتيجيات الإقتصادية لمستشارنا الإستثمارى. وهم لا شك يعرفون بالتحديد أماكن تخزين السواطير التى سنحاربهم بها إذا تجرأوا على منازلتنا أرضاﹰ ويحفظون أوقات صلاة العشاء عندنا بدقة تفوق مؤذنينا ويرصدون بإنتظام لم نتعوده مواقع أجهزة الرادار البشرية التى قمنا برصِها (صفوف صفوف) تبلحق فى دهشة نحو السماء وهى تترقب (ربما متلهفة) قاذفات بنى إسرائيل، عملاﹰ بنظرية (الكشف بالنظر) التى تفتقت عنها عبقريتنا العسكرية .

 

قمت بالاتصال هاتفياﹰ بأحد أصدقائى فى الموساد وقلت له دون مقدمات: “قوش أطلقوا سراحه”.

 

فرد فوراﹰ: “طبعا ونحن عارفين كده حتى قبل ما يعتقلوه”

 

فسألت مشدوهاﹰ: “طيب العمل الإنقلاب منو؟”

 

فرد علىّٙ سائلاﹰ بإستغراب: “أى انقلاب يا زول؟”

 

فقلت: “الإنقلاب اللى اعتقلوا بسببو قوش”

 

فرد سائلاﹰ ومدهوشاﹰ هوٙ هذه المرة: “وهو قوش اعتقلوه عشان انقلاب؟”

 

تحيرت من الأمر وبدأت أسائل نفسى إذا كانت سمعة الموساد المهنية التى طبقت الآفاق مبالغ فيها وسألته: “طيب ليه اعتقلوه؟” مرت فترة طويلة من الصمت أكاد أجزم أننى سمعته خلالها يتحدث هامساﹰ مع عدة أشخاص على الطرف الأخر. وبعد انتظار خلته دهراﹰ جاءنى صوته وهو يقول: “أسمع يا أبوحميد اللى حأقوله ليك ده كلام خطير للغاية وعاوزنك تحلف بشرفك المهنى ألا تذكره لاحد. يعنى ما عاوزين نشوفه تانى يوم نازل فى الراكوبة”. وبعد أن حلفت بأغلظ الإيمان ما وٙردٙ منه فى التوراة وما لم يٙرِد أخبرنى بالسر وراء اعتقال قوش ولعلكم ايها السادة تستميحونى عذراﹰ إذ يمنعنى شرفى (المهنى) من البوح به.

 

ولكن كما يعرف الذين يعرفونى إن من خصالى الحميدة الإصرار والمثابرة فقلت لنفسى أنه مادام الإسرائيليون يعرفون هذا الموضوع الخطير فلا شك أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السى أى ايه) على علم به أيضاﹰ ويمكننى إن تحصلت عليه منها أن أنشره وأدّٙعى للموساد حصولى عليه من مصدر أخر. قمت على الفور بالإتصال بأحد أصدقائى فى المخابرات الأمريكية الذى أكد لى السر الخطير ولكن بعد أن استحلفنى بشرفى (الرأسمالى) عدم البوح به لأحد. وقال مؤكداﹰ أهمية كتمان السر: “ده نحن الرئيس اوباما ذاتو ما كلمناه بالموضوع ده. خفنا يقوم يزعل ويرسل فرقة (كوماندوز) تصفى الجماعة كلهم زى ما عملوا لأسامة”.

 

وهممت أن أساله : “متين صفوا أسامة؟ ده انا سامعو قبل أيام بيتكلم عن زيادة قطوعات الكهرباء ورفع أسعارها فى رمضان عملاﹰ بنظرية (الوفرة فى الندرة/الندرة فى الوفرة)”، ولكنى أنتبهت إلى أنه قد يقصد أسامة أخر. المهم وكما ترون أيها السادة فالسر خطير بالفعل وتأكيد الأمريكان لا يدع مجالاﹰ للشك فيه ولكن شرفى (الرأسمالى) يمنعنى من البوح به.

 

ولأنى كنت مصمماﹰ على ان أجد مخرجاﹰ يمكننى من نشر الخبر والفوز المؤكد بجائزة (بوليتزر) لهذا السبق الصحفى، قررت أن ألعب بآخر كرت فى جعبتى. فأتصلت بصديق أخر يعمل فى المخابرات الروسية الذى بادرنى قبل أن أتمكن من الحديث بقوله: “اسمع يا محمدوف بشيروفيتش لو عاوز تطير لموسكو وتعتصم فى المطارطالباﹰ اللجوء السياسى فأحب أقول ليك صالة (الترنست) فى مطارنا محجوزة الأيام دى”. أكدت له أننى لا أفكر حالياﹰ فى اللجوء السياسى أو غير السياسى ولو قررت ذلك فستكون وجهتى إلى الصومال أو جزرالقمر أو بالعدم القمر ذاته. لكن كل ما أريد معرفته هو السبب الذى دعا السلطات السودانية لإعتقال قوش بتهمة محاولة إنقلاب (تخريبية) ثم الإفراج عنه بدلاﹰ من ربطه على عامود وبقية سيجارة أخيرة تتدلى من بين شفتيه وشلة من الجند مصطفة أمامه وبنادقهم مصوبة نحوه فى انتظار الأمر بإطلاق النار، كما يحدث عادة فى مثل هذه الحالات. طلب منى الرفيق (أقصد الزميل) أن أنتظر حتى يتمكن من الإتصال برؤسائه لإستجلاء الأمر. اتصل بى بعد فترة وقال بلهجة تبدو عليها جدية مبالغ فيها: “والله يا محمدوف بشيروفتش ده موضوع خطير جدا وعاوزك تحلف ألا تبوح به لأحد”. كدت أن ارتكب خطأ جسيماﹰ بان أحلف له “بشرفى الماركسى” ولكنى تداركت الأمر بسرعة وقلت: “وحياة (بوتين) و(راسبوتين) كمان ما اكلم أى زول”. عندها أكد لى ما قاله الاسرائيليون والأمريكان وما يمنعنى شرفى (البوتينى) أيها السادة من البوح به.

 

يمكنكم أن تدركوا مقدار الإحباط الذى تملكنى وأنا أملك هذه المعلومة المهمة والخطيرة ولا يمكننى نشرها أو البوح بها لأحد. خرجت من منزلى وتوجهت تجاه (حاجة كلتوم) بائعة الشاى والتى تحتل موقعاﹰ إستراتيجياﹰ فى شارعنا ولا أحد يدرى ماذا فعلت أو كم دفعت لناس المحلية لتفادى (الكشات) التى طالت منافساتها فى الشوارع المجاورة. وما أن جلست حتى نظرت لى بتمعن وسألتنى : “الليلة مالك متعكنن كده ووشك يلعن قفاك؟”

 

فقلت: “والله يا حاجة ليّٙا يومين (الشمار حارقنى) وماعارف أفشو كيف”.

 

فردت وهى تناونى فنجان القهوة: “خليك من شمارك، أنا عندى ليك الشمار الجد”. واستعدلت فى جلستها بعد أن أنزلت (الكفتيرة) من (الكانون) وقالت: “طبعا انت سمعت ليه حبسو قوش”. وفغرت فاهى كالأهبل وأنا احبس أنفاسى من الدهشة وأسائل نفسى كيف عرفت هذه الشقية بحقيقة (شمارى)؟ هل من مواهبها الكثيرة المٙقدِرة على قراءة الأفكار؟ وقبل أن أحاول الإنكار استطردت قائلة: “بس ما تصدق حكاية الانقلاب دى. القصة وما فيها انو الامريكان طلبوا القوش ده عشان يدير ليهم جهاز الامن بتاعهم. أصلهم بعد ما يقفلوا سجن (قوانتانامو) فى كوبا عاوزين زول يعمل ليهم شوية (بيوت اشباح) فى أمريكا ذاتا. بس ناس الريس هنا عصلجوا شوية و(ابوالعفين) حلف براس ابوه لو هو ما ادوه الوظيفة دى مافى زول تانى ياخدها و(ابورياله) اشترط انو يعملوه وزير دفاع كمان ووالله ماعارفة أكان الريس برضو طالب بالرئاسة هناك ولاّٙ لا. المهم قاموا ختو قوش المسكين فى واحدة من الفلل الرئاسية لغاية ما رضى يحِلف ليهم بشرفو الامنى انو بطّٙل حكاية امريكا دى خالص. وبعدين ناس ود ابراهيم ديل حكايتهم …”

 

وبالطبع لم أنتظر لسماع بقية حديثها فقد قمت مهرولاﹰ لمنزلى وأنا أصيح فى موبايلى لأحد أصدقائى فى صحيفة (الواشنطون بوست): “أسمع يا بوب ودورد وقفوا المطابع وحضروا المانشيت العريض حالا أنا عندى ليكم قنبلة اخبارية قمت بتأكيدها من أربع مصادر مختلفة لا يرقى اليها الشك ومافيها اى كلام”!!

 

 

 

Back to Top