Mohamed Beshir Hamid

“هواجس ساخرة (١٢): “القِرفٙة

Al-Rakoba 31 May 2013

“القِرفٙة”

 

 

قبل أيام بعث دكتور عابدين برسالة إلكترونية الى أصدقائه وزملائه (العواجيز) يبشرنا فيها بأن دراسة علمية حديثة أشرف عليها باحثون من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركية كشفت عن معلومات جديدة ومثيرة بشأن (القرفة)، ودورها في الحد من الإصابة بمرض (الزهايمر). ودعانا دكتور عابدين (واصفاﹰ إيانا “بالأعمام” فى محاولة تدعو للشفقة لتصغير نفسه) “بشراب القرفة الحارة كل صباح”. وقد أسعدنى للغاية هذا الخبر وبعث فى داخلى دواعى الأمل والتطلع فى عودة الروح لقلوبنا الواجفة وضخ الدماء والحيوية فى أدمغتنا الواهية وبث الحركة فى أطرافنا الضامرة.

 

ولكن فرحتى لم تدم طويلاﹰ فقد رد أخونا السفير عوض على دكتور عابدين برسالة مقتضبة وحاسمة المعنى: “Too late” (فات الآوان). ولكم أيها السادة أن تتخيلوا مدى فجيعتى بهذا الرد المٔفحم والمُحبط. فلو لم أكن أعرف السفير عوض لتخيلت من رده أنه على مشارف التسعين ولقلت له: “ايوه too late وألف too late عليك يا عجوز يا موعود تسعين. أمشى شوف ليك ضل تصنقر فيهو وخلينا نصنقر برانا نشرب فى القرفة ونشوف شبابنا”. ولكنى –وياحسرتاه- أعرف السفير عوض فهو يصغرنى بعدة أعوام وليت الأمر توقف عند هذا الحد، فهو بحساب سنوات الدراسة دفعة (أم عيالى) فى جامعة الخرطوم وبما أن (أم ألعيال) اعتادت أن تزيد فارق السن بيننا بنسبة قد تعادل تدهور الجنيه السودانى أمام الدولار وتجعلها تصغرنى باكثر من عشرة سنين فإن السفير عوض – بحكم أنه دفعتها – يكون فى منتصف الخمسينات الآن. فإذا كان السفير عوض وهو فى آواخر الشباب نسبياﹰ يعتقد أن الأمر بالنسبة له قد اصبح “too late”، ربما لأن (الزهايمر) قد طاله من دون أن يخبرنا، فما هو الأمل بالنسبة لنا ونحن نرزح تحت سنوات الشيخوخة المضنية؟

 

وأنا فى هذه الحالة من اليأس والقنوط التى أدخلنى فيها السفير عوض إذا بمفتاح الفرج والخروج منها يأتى من مصدر لا اعرفه ولم أتوقعه. فقد صرح النائب البرلماني الشيخ دفع الله حسب الرسول فى مقولة ترقى لحد الفتوى يدعو فيها الى ضرورة “زيادة الرجال لحصتهم من الزوجات إلى أربعة “لأن “الرجل لم يخلق من أجل امرأة واحدة خاصة أن المرأة (تٙقطع) في سن الخمسين بينما في مقدور الرجل الزواج والإنجاب حتى بلوغه ۱٥۰ سنة ” وأضاف الشيخ متحسراﹰ: “عيب على الراجل يزرع في واطة بور ما بتنتج”!!

 

أود أن اوضح جلياﹰ أن ما يهمنى على وجه التحديد فى هذه الفتوى ليس موضوع “قطوع المره” ولا التحسر على الزراعة فى “واطة بور ما بتنتج” ولا الإنجاب فى حد ذاته (فعيالنا والحمد لله قد بلغوا سن الشباب وتولوا عنا المهمة هذه) بقدر ما يهمنى “بلوغ ۱٥۰سنة والمقدرة على الإنجاب”. فلهذه المقدرة الخارقة دلالتان: الأولى أن بلوغ ۱٥۰ سنة (والتى لا أشك أن الشيخ دفع الله قد خطط منذ الآن للوصول إليها) تعنى بالضرورة حيوية النشاط الجنسى والتى تعنى بدورها عدم الإصابة بمرض (الزهايمر) لأن الانسان لو كان مصاباﹰ بالنسيان فقد يضل الطريق الى مقاصده الجنسية مما قد يسبب بعض التعقيدات المحرجة! والدلالة الثانية أن هذه المقدرة على الإنجاب حتى سن ۱٥۰ تتطلب مقدرة حسابية فائقة – قد لا تتوفر للكثيرين – حتى يتمكن المرء من إحصاء الابناء والاحفاد وأبناء الأحفاد وأبناء أحفاد الأحفاد وهلمجرا.

 

ويبدو أن الشيخ دفع الله لا يلقى الكلام على عواهنه فللرجل فيما يبدو صلة وثيقة بالولايات المتحدة الامريكية وبالذات مراكز البحوث. ففى فتوى سابقة أدلى بها تحت قبة البرلمان قال – لا فض فوه – “أن البنت غير المختونة عفنة” وأشار بوضوح لوجود دراسات تؤكد “ختان الأمريكان فتياتهم خوفاً من السرطان” مؤكداﹰ أن تلك الدراسات الامريكية قد أثبتت “أن عدم الختان يقود للإصابة بالسرطان” ويبدو أنه ينوى أيضاﹰ تطويرهذه الصلات مع الولايات المتحدة بالذهاب الى هناك. فقد كرر مؤخراﹰ مطالبته للبرلمان بتطبيق رخصة تعدد الزوجات (الزامياﹰ فيما يبدو) لرفد الجيش السودانى بالرجال موضحاﹰ أن متوسط أعمار الذكور من سن ٥۰ سنة فما فوق لا يتجاوز ال٧ مليون ولو تزوج كل واحد منهم وانجب ٥ أطفال فسيبلغ عدد الاطفال ۳٥ مليون. “وبهذا العدد”، على حسب قوله “مش نفتح كاودا نفتح امريكا ذاتا”. (ولم يوضح الشيخ بماذا سيفتى إذا طلع كل هذا العدد أو غالبيته العظمى –لا قدر الله– من الإناث!! وهل ستتولى الدولة حينها فاتورة الختان؟)

 

وسواء تمكن الشيخ دفع الله من فتح أمريكا أم لا فأنا أكاد أكون على يقين بصلته بمركز بحوث (الزهايمر) بجامعة كاليفورنيا. فشخص متزوج من ثلاث نساء ويتطلع أن يمتد به العمر الى ۱٥۰ سنة يتوجب عليه الإهتمام بمرض قد ينسيه أسماء زوجاته بل حتى ينسيه أنه متزوج بهن. ثم أننى لاحظت إختفاء (القرفة) من الأسواق فى الفترة الأخيرة وقد عٙزيت ذلك فى أول الأمر الى عمليات تنظيف السوق التى تقوم بها المافيا الإنقاذية خاصة ورمضان على الأبواب، أو أن يكون “الطفل المعجزة” قد قام ببيع أحد إستثمارته لزراعة (القرفة) فى ابوكرشولا. ولكنى أستبعدت أن يهتم هو أو تماسيح السوق بسلعة صغيرة مثل (القرفة) فهناك جبل مرة ينتظر من يستثمره للسياحة وهناك بيع مصانع السكر ينتظرتشطيبات وتوزيعات العمولات الأخيرة.

 

لهذا زاد يقينى أن الشيخ وراء إختفاء (القرفة). وبعد جهد مضن تحصلت على رقمه وهاتفته مسلماﹰ فرد على٘ السلام بأحسن منه. قلت بلهجة متفائلة: “والله يامولانا الشيخ من فترة عاوز أتصل بيك وأقول ليك ختان البنات ده واجب دينى وأخلاقى قبل أن يكون ضرورة صحية لإزالة العفانة”. وصمتُ برهةﹰ وعندما لم يرد واصلت بكذبة أكبر: “وأنا يامولانا معرس أربعة نسوان وبناتى مطهرات من هن صغارومُحرم عليهن يلعبن الكورة حتى فى البيت”

 

فرد على قائلاﹰ: ” خيراﹰ فعلت يا رجل”. فقررت أن أحبك الموضوع زيادة فأضفت:”وغايتو أنا زيك كده ماغِنيت وبقتْ عندي قروش وبنيت عمارتى الرابعة إلا بعد ما عرست المرا الرابعة

 

فقال: “(وفي السماء رزقكم وما توعدون). وده رد قاطع على البقولو ما عندهم قروش عشان يتنو ويتلتو ويربعو”.

 

فقلت بحذر: “والله يا الشيخ الايام دى عندنا مناسبة ومغرود فى شوية (قرفة)..”

 

وقبل أن أكُمل حديثى صاح ثائراﹰ وهو ينهى المحادثة:

 

“أنت كمان واحد تانى من المُسلِطُن علئ دكتور عابدين بتاعكم ده!!”


 

Back to Top