Mohamed Beshir Hamid

هواجس ساخرة (١٠): الشريف بدر

Al-Rakoba 21 March 2013

الشريف بدر و”سلخ جلد النملة” والفاتح “عروة”

 

 

أثأر إنتباهى وأنا أشاهد حوار الشريف بدر مع فضائية الشروق يوم الأربعاء ۱۳ مارس والمداخلات التى تخللته، ورود عدة عبارات حول بيع الخطوط الجوية السودانية و”خط هيثرو” أرى كباحث فى علوم السياسة إضافتها على الفور إلى قاموسنا السياسى وإستخراج براءة علمية بحصرية حقوق نشرها واستعمالها. أول هذه الدرر تشبيه الشريف للخطوط الجوية السودانية التى كان يرأس مجلس إدارتها “بالبقرة العجوز لٙمؐن يودوها السوق وتبقى فاتحة خشمها بٙراها”. وأعترف أن الأبعاد الإقتصادية والسياسية لهذه المقولة استغرقت منى بعص الوقت لإستيعابها. فالبعد الاقتصادى لهذه الإفادة العلمية يمكن تبسيطه كالآتى: إذا عندك بضاعة “مضروبة” (ولا يهم كيف أصبحت “مضروبة” فهذه نظرية اقتصادية آخرى فى حد ذاتها قد لايتسع المجال لشرحها) فعليك تسويقها بطريقة تٔنفر منها كل المشترين الشاطرين بجعلها “فاتحة خشمها براها”. وبعد ذلك تقوم بإختيار زبون يتميز بالغباء الشديد بحيث يشترى “بقرة عجوز” قد نضب ضرعها. وقد يكون للنظرية مسار آخر يغلب فيه البعد السياسى بحيث يقوم هذا المشترى (الغبى) بإيهامك أنه فعل ذلك حباﹰ فى عيونك وولهاﹰ فى طلعتك البهية وبعد أن يشترى منك البقرة ومراحها يأكل نصف البقرة ويبيع مراحها ثم يقنعك بشراء النصف المتبقى (فطيسة) حتى قبل أن ئكمل دفع ثمن البقرة الأصلى دعك عن المراح الذى راح. بالطبع لا يهمك ضياع البقرة أو مراحها لأنه قد جرى مكافاتك (على شطارتك) بزاوية فى جنةٕ (فيحاء).

 

وهذا يقودنا إلى عبارة “سٙلخ جلد النملة” التى ذكرها الشريف فى معرض حديثه (فى إشارة حسب ما فهمت إلى إستحالة إدانته ومجلس إدارته بأى جريرة حتى لو كانت التقاعس عن أداء الواجب أو ما عٔرف فى تقاليد الخدمة المدنية أيام زمان بDereliction of Duty ). إن التأمل فى عبارة الشريف هذه يبدو لاول وهلة كالغوص فى أعماق المستحيل بكل مايثيره ذلك من شجون وهواجس فلسفية عن لامعقولية الأشياء وعبثية فهم أسرار الكون. ولكن مشاهدة الشريف وهو يراوغ حول نفسه متخيلاﹰ أنه (مارادونا أو ميسى) ويتقمص دور “شاهد ماشافش حاجة” برداءة تٔبكى (عادل إمام) تجعلنا فجأة نقتنع بأن المستحيل ممكن واللامقول معقول (ونص) وما الداعى لفهم أسرار الكون إذا إستعصى علينا فهم سياسات التمكين و(لغف) المال العام التى يمارسها أمثاله فى علانية وتبجح. فهولاء قوم أدمنوا شرب حليب البقرة حتى ضمر ضرعها وأستطابوا أكل السحت من ثمار المشاريع الزراعية حتى حولوها إلى الخراب وبلغت بهم (قوة العين) حد التبرع لمشاركتنا البحث عن مٙن شرب الحليب ومٙن أكل السحت. ويبدو أن “سلخ النملة” فى عٔرفهم أسهل من سلخ “بقرة عجوز”!

 

والشىء الآخر الذى لفت إنتباهى وأثار إندهاشى وأنا أتابع الحوار لم يكن تعبيراﹰ بل اسماﹰ. فقد أشار الشريف مرة إلى أن ما ذٙكٙره (كشاهد لا ليه فى العِير ولا النفير) من ملابسات بيع الخطوط الجوية السودانية و”خط هيثرو” فيه الكفاية للإجابة على تساؤلات “الفاتح عروة”! مما جعلنى أتساءل ماعلاقة الفريق (م) بتلك الملابسات؟ هل قام بدوره بإنشاء “كسرة هيثروية”؟ أم أن (زين) قد أصبحت الضلع المكمل لمثلث مع (عارف) و(فيحاء). ولكن هذا الإحتمال بدأ لى غير منطقى فتجفيف السوق من السيولة لمقابلة لوازم (التحويل) لا يترك لسيادة الفريق وقتاﹰ للإهتمام بأى أمور آخرى. وقد تكون إشارة الشريف مجرد زلة لسان عفوية مردها معرفته الوثيقة بالفاتح عروة وبالتالى تٙعوؐد لسانه على نطق الإسم عفوياﹰ فى الحالات التى يكون فيها “مزنوق ومتنرفز شوية” بمعنى “الحقنى يا عروة”؟ ولكنى استبعد هذا الإحتمال إذ أن الشريف أشار مرة أخرى فى معرض حديثه ذلك إلى “أخونا عروة”، فالعفوية غير واردة لأنها لا تقبل التكرار. إذن هى إما زلة لسان (فرويدية) من عقل الشريف الباطن أو إشارة ذكية مقصودة تحمل رسالة مبطنة ومعينة للفاتح جبرا.

 

التفسير(الفرويدى) يقوم على إفتراضين: الأول أن الشريف قد أقنع نفسه بأن الفاتح جبرا قد تقمص شخصية الفاتح عروة (أو العكس) مما يفسر إرتباكه الواضح وخلطه للإسمين أثناء الحوار والمداخلات. وقد يعترض البعض على هذا التفسير على أساس أنه لا يوجد شخص من الغباء بحيث يخلط أو يجمع بين (الفاتح) الذى عانى بهدلة الأمن و(الفاتح) الذى هو أحد مؤسسى إمبراطورية الأمن. ولا يسعنى إلا أن أوجه هؤلاء للتمعن كثيراﹰ (أو قليلاﹰ) فى المقدرة العقلية الهائلة التى تمخض منها تعبير “البقرة العجوز اللى بقت فاتحة خشمها براها” ليقتنعوا بأن هذا التفسير لا يخلو من وجاهة! والإفتراض الثانى هو أن هناك رسالة مبطنة أراد الشريف أو عقله الباطن إرسالها لجبرا (او لعقله الباطن) على شاكلة (وهذا مجرد تخمين من جانبى): “ياخى روق المنقة شوية وخلى الناس تشوف أرزاقها. يمكن ربنا يفتحها عليك أنت كمان ومش بس تقدر تدفع الجنيهين الزيادة بتاعين ناس النفايات ولكن (فجأتن) تلقى نفسك بقيت زول كبير فى جهاز الأمن اللى اعتقلك قبل أسابيع ويمكن كمان تساعد فى هجرة شوية الفلاشا الفضلو فى أثيوبيا مما يؤهلك عشان تبقى سفيرنا فى واشنطون ومين (عارف) بعد داك يمكن تلقى نفسك بقيت رئيس مجلس إدارة).

 

وبالطبع لا أستطيع أن أجزم بأن هذا كل ما جاء فى الرسالة أو إذا كانت هناك رسالة أصلاﹰ أو أن جبرا قد أستلم الرسالة أو فهم مدلولها كما فهمت. وقد حاولت الإتصال به لاستفسر إذا شرع فى عملية “ترويق المنقة” أم لا ولكنه لم يرد على مكالمتى. وأعترف بداية أنه بدأت تراودنى بعض الشكوك ولكن عندما أستقصيت الأمر عرفت أن جبرا (فرقت معاهو شوية) وأنه هذه الأيام بدأ (الحوامة) فى السوق العربى وسؤال كل من يلقاه: “معاك أورنيك (۱٥)؟”.

 

والتعبير الأخير الذى لفت نظرى أطلقه الفاتح جبرا نفسه (قبل أن تفرق معاهو) فى مداخلته فى الحوار عندما ربط دعوة الشريف بدر لشركة (عارف) الكويتية كشريك للخطوط الجوية السودانية بمثابة إحضار “صيوان لعرس بتو”. قد أثار هذا الربط الكثير من التساؤلات فى ذهنى: كيف عرف جبرا أن للشريف “بنت على وش عرس”؟ وإذا لم يكن للشريف بنات فلماذا لم ينتهز هذه الفرصة الذهبية لينفى الواقعة ويتخذها دليلاﹰ على عدم مصداقية المعلومات التى أتى بها جبرا (بدلاﹰ من أن يعترف بصحة المعلومات بل ويطالب بكل بجاحة إضافة اسمه لكسرة جبرا الشهيرة عن ما حدث “لخط هيثرو”)؟ ثم لماذا ئقتصر صيوان العرس على البنات فقط فى تفرقة (جٙندرية) لا تشبه جبرا؟ فاذا كان للشريف أولاد فقط فهل يصبح الرابط بين الشراكة والصيوان غير وارد؟ وهل إذا قمت أنا مثلاﹰ بلطش التعبير وحرفته إلى “صيوان لعرس ولدو” سيقوم جبرا بمقاضاتى ويعمل كسرة جديدة عن: “اخبار سرقة الصيوان العند النائب العام شنو؟” لم أجد أجابات شافية لتساؤلاتى وإن انتبانى شعور قوى أنه بالنظر للكلام الرقيق المشحون بنبرات رومانسية الذى أغدقه الشريف على (عارف) الكويتية طوال الحوار التليفزيونى فقد يكون المقصود من الرابط بين الشركة والصيوان التلميح الى أن الشراكة بين الشريف والكويتية ترقى إلى مرتبة الشروع فى عمل غير أخلاقى!


 

Back to Top