Mohamed Beshir Hamid

هواجس ساخرة (۹): “كبر” الذى علمهم السحر

Al-Rakoba 10 February 2013

“كبر” الذى علمهم السحر

 

 

أنا ياسادتى فى حالة إندهاش تام منذ أن قرأت حديثاﹰ أدلى به والى شمال دارفور إلى صحيفة السودانى أكد فيه “إن السحر والدجل موجود”، وأضاف (ولايته): “أحياناﹰ عندما اضع يدي داخل جيبي جد ثعباناﹰ –هذه حقيقة- وهذه الأفعال من آخرين، ولا تخيفني على الإطلاق، ومثلما سيدنا موسى ابطل مفعول السحرة، يوجد آخرون يبطلون مفعول السحر”. وبالرغم من فهمى المحدود فى أمور السحر هذه فقد توصلت الى انه مادام فى إمكانية الوالى إبطال مفعول السحرة (فى هذه الحالة تحويل الثعبان الى عصا كما ذكر) فبإمكان الوالى تحويل كل الاسلحة التى تعج بها ولايته (حتى قبل أن يحج إليها مسلحو مالى) الى ثعابين. ولكم أيها السادة أن تتخيلوا ناس مناوى وهم يرون أسلحتهم من كلاشنكوف وآربجى وهى تتحول فى أيدهم إلى (كوبرات) تكشر عن أنيابها فى وجوههم وتطاردهم طوال المسافة من الفاشر الى تمبكتو (فى هجرة معاكسة لمسلحى مالى). وعملا بالمثل القائل “الزيت كان ما كفّى البيت (حلال) تديه الجيران” فيمكن للوالى أن يسبغ بعض بركاته على رصفائه فى جنوب كردفان والنيل الأزرق وعندها يمكن لأى متحدث عسكرى أن يخرج إلينا قائلاﹰ أن هاونات وراجمات الحركة الشعبية (قطاع الشمال) قد تحولت ببركة الوالى إلى (أٙصٙلات) لا تزال تطارد عرمان وعقار والحلو طوال الطريق الى كمبالا. ولعلكم سادتى تتفقون معى أن مثل هذا التصريح يكتسب مصداقية أكثر من التعلل بنقص فى الذخيرة أوبهجوم من ثلاثة محاور أو بظهور مرتزقة بيض يقودون دبابات فى مشارف مفو والكرمك وهم يرتدون سترات واقية من الرصاص. ومع محدودية فهمى فى الأمور العسكرية إلا أننى أكاد أجزم أن ارتداء سترة واقية من الرصاص داخل دبابة ليست من الأمور المحببة للجنود، مرتزقة كانوا أو نظاميين، بيضاﹰ كانوا أو سوداﹰ، سحرة كانوا أو مسحورين.

 

وقد يتهمنى البعض، سادتى، بالمبالغة فى موضوع السحر والسحرة هذا ولا أملك فى مثل هذه الحالة إلا أن أذكركم بما كان يتداوله الناس فى زمن مضى من حكايات عن القِرٙدٙة التى تقوم بتفجير الالغام فى ساحات الفداء وعن الحِجبات والتعاويذ التى تقى لابسيها الرصاص والألغام وعن أعراس الشهداء الموعودين بالحور العين (والتى تجعل المفاضلة مابين الإستشهاد أو لبس الحِجبات معادلة صعبة). وقد يتساءل مكابر: ولماذا لم تنجح أعمال السحر هذه حينذاك؟ والإجابة فى غاية البساطة: ولماذا تظن أنها لم تنجح؟ فمن استشهد فله الحور ومن لبس حِجبات وتعاويذ وعاش فله الحور، ومن عاش من غير أن يلبس اى حجبات أو تعاويذ فله الحور أيضا مثنىﹰ وثلاث ورباع فى معادلة قد لا تبدو عادلة لبعض هؤلاء الشهداء.

 

وكلما أمعنت التفكير فى قدرات الوالى الاستثنائية تلك تفتحت أمامى آفاق جديدة لإستعمالها. خذ مثلاﹰ مسالة غزو الجراد الصحراوى على ولايتي نهر النيل والشمالية والذى تكرم السيد نقيب الصحفيين بمدنا بالتفسير المنطقى لأسبابه حين قال –لا فض فوه-: “ولا استبعد كثيراﹰ أن تكون للعدو الأول والأخير لبلادنا وشعبنا ومنتجاتنا إسرائيل وأعوانها يد في إطلاق هذه الآفة على بلادنا بهدف إفقارنا وضرب إنتاجنا من الغذاء بل أن آثار الرش قد تصيب الإنسان نفسه. ولهذا فإن هذا السرب اللعين الذي هاجم الشمالية هو بمثابة إنذار مبكر ينبغي أن نضع أصابعنا على زناد البنادق”. فهذا الإعجاز البلاغى للسيد نقيب الصحافيين (الربط المذهل بين السرب اللعين وزناد البنادق!) فى وصف مسببات وآثار الغزو الجرادى لن يضاهيه إلا الاعجاز السحرى للسيد الوالى فى تحويل أسراب الجراد إلى سحاب ممطر. وما لم يذكره السيد النقيب، وإن فُهِمٙ ضمناﹰ، هو أن أسترتيجية “الدفاع بالنظر” (أو مايعرف فى أدبيات العرب العسكرية بنظرية “زرقاء اليمامة”) بنشر صواريخ بشرية وقوفاﹰ “بسواطيرهم” فى محور الخرطوم- بورسودان- عطبرة قد أثبت فعاليته فى منع الطيران الإسرائيلى من استباحة فضائنا الجوى مما أدى بدوره لإجبار اسرائيل للجوء للجراد كسلاح استراتيجى. والذى فات على السيد النقيب أن يذكره أنه تم تشكيل وتدريب ألوية الجراد هذا فى صحراء النقب.

 

ثٙمة مجال إستراتيجى آخر يمكن فيه الأستفادة من سحر الوالى. ففى دراسة لمجلة “فوربس – الشرق الأوسط” لتحديد أفضل السياسات الاقتصادية أداءﹰ فى العالم العربى خلال عام ۲۰۱۲ استقر السودان في آخر القائمة متفوقاﹰ هذه المرة على الصومال الذى تبوأ بجدارة مركز “تانى الطيش”. (فى مسح عالمى لمستويات الفساد فى العالم لعام ۲۰۱۲ قامت به المنظمة العالمية للشفافية جاء الصومال فى آخر القائمة والسودان “تانى الطيش”). ويبدو أن هناك تفاهماﹰ بين السودان والصومال فى تبادل هذين المركزين الإستراتيجيين بطريقة قد تعرّض كليهما للمساءلة تحت طائلة الإتهام بالإحتكار غير المشروع وعلى أسوأ الفروض بالشروع فى عمل غير أخلاقى.

 

ولا أحد يشك فى إمكانية الوالى فى نقلنا الى درجة الأوائل فى قائمة السياسات الإقتصادية وقائمة مستويات الفساد. ولكن مثل هذه الطفرة من أواخر إلى أوائل القوائم قد تثير تساؤلات عن مصداقية التقويم بأسره وربما تعرضنا لإحرجات لا داعى لها. فلمن نذهب للشحذة، وكيف نبرر “شحدتنا”، إذا كان لنا بفضل السحر أفضل السياسات الإقتصادية أداءٔ؟ وماذا سيحدث “لكٙسرة” الفاتح جبرا “الثابتة” بعد أن يكتشف أن صفقة بيع خط هيثرو صحيحة “مية فى المية” وقد تم توثيقها فى محكمة العدل الدولية وأن لها من العائد المادى للسودان ما يفوق ما كسبته روسيا القيصرية من بيع ألاسكا للولايات المتحدة؟ وما الذى يمكننا أن نفعله فى معية الدنمارك والنرويج والسويد وليست هناك شبهة فساد أو أزمة إقتصادية قد تقض مضاجعنا ونحن الذين تعودنا أن ننام على أزمة ونصحو لنجد أنها قد أضحت أزمتين؟ أرى سادتى –وقد تتفقون معى فيما أقوله- أن خير الأمور الوسط فإذا رأى الوالى أن يضعنا فى منتصف القوائم أو على الأقل على مسافة آمنة ومريحة ليس فقط من الصومال من جهة بل أيضاﹰ من ثلاثى إسكاندنافيا من جهة آخرى، فالخير كل الخير إذن فى ما يراه الوالى.

 

وثٙمة مجال آخر يمكن فيه الاستفادة من بركات الوالى إلا أن بعض التعقيدات القانونية تكتنفه. فيمكن لسيادته أن يجود على والى جنوب كردفان ببركات تتعدى مجرد تحويل أسلحة الحركة الشعبية (قطاع الشمال) الى أفاعى ومشاهدة مقدرة الرفاق فى العدو أمامها طوال الطريق إلى كمبالا. فهناك موضوع “مخارجة” رصيفه من “الجنائية” وهو موضوع يتسم بالحساسية إذ أنه قد يتطلب زيارة إلى “الاهاى” (لزوم “تحويط” المحكمة إياها) لا نظن أن لوالى شمال دارفورنفسه رغبة شديدة فى القيام بها! 


 

Back to Top