Mohamed Beshir Hamid

“هواجس ساخرة (٧):”لعبتها كده

Al-Rakoba 7 February 2013

“لعبتها كده”

 

 

صحوت ذات صباح على فكرة “جهنمية” وأنا أكاد أركل نفسى لأنها لم تخطر على بالى من قبل (ولعلها خطرت ولكنى لم أعطها ما تستحق من اهتمام) والفكرة لبساطتها تكاد تقول “خذونى” وأكاد أجزم أنها خطرت للكثير من السودانيين ولكن الكسل الممعن منعهم من التمعن فيها بما فيه الكفاية. والفكرة ببساطة هى: لماذا لا أبيع نصيبى من أرض المليون ميل مربع. ولما “أختمرت” الفكرة فى رأسى ذهبت لإستشارة أحد أصدقائى المقربين وهو لحسن الحظ متخصص فى القانون الدستورى. وبعد أن استمع لى بصبره المعهود وأنا أشرح له الأبعاد المالية لفكرتى وماذا سافعل بالفدادين التى ستكون من نصيبى قال لى إن للموضوع أبعادا آخرى يجب أخذها فى الاعتبار أخطرها أن استعد للتخلى عن الجنسية السودانية. فسألت وأنا أتظاهر بالقلق إذا كان ذلك يعنى التخلى عن الجواز الأخضر فأخبرنى أن ذلك سيكون أول ما أضحى به. فسررت فى سرى أننى لم استخرج بعد الأزرق الجديد مع أن الأخضر قد أنتهت صلاحيته قبل فترة، كما أننى من موقف مبدئى رفضت استخراج بطاقة الرقم الوطنى. وانا أحسب فى رأسى كمية الفلوس التى وفترها ببعد نظرى هذا أتانى صوت صديقى وهو يقول : “وبعد داك تمشى مفوضية الأمم المتحدة وتتسجل كلاجىء وتنتظر دورك عشان تعرف حيوٙدوك أى بلد”.

 

سألته: “تفتكر حيخلونى أختار البلد اللى عاوزو؟”

 

أجاب: “والله ده بيعتمد على البلد. انت عاوز تمشى وين؟”

 

قلت بتلهف: “(الصومال) أو( أفغانستان) وبالعدم (مالى)”.

 

فهز رأسه وهو يقول: “والله طالباتك دى صعبة شوية. البلاد دى عليها طلب كتير. أخوانا الاثيوبين ما مدين زول فرصة فى (الصومال) والامريكان نازلين تقيل فى (أفغانستان) و شايف الفرنساويين عاصرين شديد الايام دى على (مالى) وأعداد كبيرة منهم نزلو منتجع (تمبكتو)”.

 

ويبدو أن صاحبى رأى خيبة الأمل ترتسم على ملامحى فقال مطمئِناﹰ: “لكن ناس مفوضية الأمم المتحدة لللاجيئن عندهم نظام للمساعدة الذاتية فإذا دفعت تذااكر السفر للجهة المقصودة فبيدوك أفضلية فى الذهاب  إليها”.

 

فسألت والامل يرتفع من جديد فى داخلى: “تفتكر نصيبى فى المليون ميل مربع بجيب لىّ حق تذاكر السفر؟”

 

فرد صديقى بلهجة لا تخلو من الضيقﹰ: “ياخى انت لسع معلق فى حكاية المليون ميل ليه؟ ده كان زمان يعنى أى عائد مالى بتفكر فيه  من نصيبك نقّصو التلت”.

 

فقلت على الفور وأنا أهنىء نفسى على ذكائى: “وما برضو عدد السكان نقص التلت كمان فالقسمة واحدة”.

 

ويبدو أن صاحبى رأى مظاهر الإكتئاب قد بدأت ترتسم على وجهى من جديد فأسرع قائلاﹰ: “لكن الكويس انو لو معدلات الهجرة استمرت بالطريقة دى فيمكن تلقى نفسك الوحيد الفضّل مع ناس الانقاذ فى السودان الفضّل”. وتلفت يمنةﹰ ويسرةﹰ قبل أن يضيف هامساﹰ: “لكن ما تعشم كتير الجماعة ديل يدوك فرصة معاهم”.

 

قلت وقد بدأ اليأس يتملكنى: “طيب أعمل شنو عشان اطالب بى حقى؟”

 

فأجاب بلهجة قانونية حاسمة: “أحسن حاجة فى مثل هذة الحالات هى العمل الجماعى اللى بيسموه الخواجات class action يعنى تشوف كم واحد تانى شاعر أنو متضرر وتعملو شراكة وتطالبو بى حقكم جماعياﹰ”. وأتفقنا –أنا وصاحبى القانونى- على أن اقوم بقيادة هذا العمل الجماعى على أن يكون هو مستشارى القانونى. وقررنا الإعلان عن هذا الأمر فى الصحف وكم كانت دهشتنا عظيمة عندما جاءتنا آلاف طلبات الانضمام فدعونا إلى عقد اجتماع عاجل فى ميدان المولد ببحرى. وفى ساعات اكتظ الميدان على سعته بأطياف من البشر ودهشت وأنا أرى الكثيرين منهم يحملون صورتى ولكن دهشتى زالت عندما نظرت إلى مستشارى   القانونى ووجدته يبتسم لى فى خبث فقلت فى سرى”هى بقى لعبتها كده”. ووجدت صعوبة بداية فى مخاطبة هذا الجمع الحاشد. وبعد أن شرحت لهم خطتى فى استثمارأنصبتنا مجتمعة ملمحاﹰ لصلاتى الوثيقة بالأمراء وأهل الحل والعقد وطالباﹰ مبايعتهم فى التصرف فيها على حسب ما أراه مناسباﹰ فى استثمارات خليجية “أميرية”، علت هتافاتهم: “قلناها نعم وألف نعم ليك يا القائد الملهم” 

 

وبدأ  بعضهم يرقصون فى صف كالتنّين البشرى الصينى وهم يهللون:

 

بالطول بالعرض يا ود مدنى

 

حرقنا خلاص الرقم الوطنى.

 

وأنتظم البعض فى حلقات كحلقات الذكر وهم يرددون:

 

الله حٙى.. الله حٙى

 

يا (الوليد) جيناكا

 

وجينا نستثمر بى وراكا.

 

جلست فى مكتبى فى صباح اليوم التالى وأمامى آلاف التوقيعات التى تخول لى التصرف فى عدد لايستهان به من الأفدنة فى جميع أنحاء السودان. وبعد التشاور مع مستشارى القانونى اتصلت برقم فى مستشارية الاستثمار.وبعد فترة انتظار خلتها دهراﹰ رد علىّ شخص باقتضاب سائلاﹰ عن سبب الازعاج فى الصباح االباكر. فقلت وأنا أتصنع المرح: “صباح الخيرسيادتك. بعتو مشروع الجزيرة ولاّ لسع؟”

 

وجاءنى رد طويل فهمت منه باختصار أن علىّ عدم التدخل فى مالا يعنينى.

 

فقلت وكأن الأمر يعنينى: “حقك علىّ سيادتك. بس أنا عندى عرض بأراضى للإستثمار يمكن تحلّى عرض مشروع الجزيرة شوية”.

 

مرت فترة صمت طويلة وأكاد أسمع همساﹰ وتشاوراﹰ فى الطرف الآخر. جاءنى الرد فى شكل سؤال جوابته على الفور: “عمولتى يا سيادتك تذكرة سفر إلى كابول أو مقديشو أو بالعدم باماكو”.

 

الجمعة ۲ فبرائر ۲۱۰۳


www.alrakoba.net 

Back to Top